في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون "10")
فالله سبحانه وتعالى، شبه ما في قلوب المنافقين بأنه مرض، والمرض أولا يورث السقم، فكأن قلوبهم لا تملك الصحة الإيمانية التي تحيي القلب فتجعله قويا شابا، ولكنها قلوب مريضة، لماذا كانت مريضة؟ لقد أتعبها النفاق وأتعبها التنافر مع كل ما حولها، وأحست أنها تعيش حياة ملؤها الكذب، فاضطراب القلب، جعله مريضا، ولا يمكن أن يشفى إلا بإذن الله، وعلاجه هو الإيمان الحقيقي الصادق، ذلك الذي يعطيه الشفاء، والله سبحانه وتعالى يقول:
{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً "82" }
(سورة الإسراء)
إذن فالإيمان والقرآن هما شفاء القلوب، كلاهما بعيد عن قلوب هؤلاء المنافقين، فكأن المرض يزداد في قلوبهم مع الزمن، والله سبحانه وتعالى ـ بنفاقهم وكفرهم ـ يزيدهم مرضا. وهذه هي الصفة الثالثة للمنافقين .. أنهم أصحاب قلوب مريضة سقيمة، لا يدخلها نور الإيمان، ولذلك فهي قلوب ضعيفة، ليس فيها القوة اللازمة لمعرفة الحق. وهي قلوب خائفة من كل ما حولها، مرتعبة في كل خطواتها، مضطربة بين ما في القلب وما على اللسان، والمريض لا يقوى على شيء وكذلك هذه القلوب لا تقوى على قول الحق، ولا تقوى على الصدق، ولا ترى ما حولها، تلك الرؤية التي تتناسب وتتفق مع فطرة الإيمان، التي وضعها الله تعالى في القلوب، ولذلك إذا دخل المنافقون في معركة في صفوف جيش المسلمين .. فأول ما يبحثون عنه هو الهرب من المعركة، يبحثون عن مخبأ يختفون فيه، أو مكان لا يراهم فيه أحد، والله سبحانه وتعالى يصفهم بقوله:
{لو يجدون ملجئاً أو مغارات أو مدخلاً لولوا إليه وهم يجمحون "57"}
(سورة التوبة)
لماذا؟ لأنهم أصحاب قلوب مريضة، لا تقوى على شيء، ومرضها يجعلها تهرب من كل شيء، وتختفي. وليت الأمر يقتصر عند هذا الحد، ولكن ينتظرهم في الآخرة عذاب أليم، غير العذاب الذي عانوه من قلوبهم المريضة في الدنيا، فبما كانوا يكذبون على الله وعلى رسوله، ينتظرهم في الآخرة عذاب أليم أشد من عذاب الكافرين، والله سبحانه وتعالى يقول:
{إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار }
(من الآية 145 سورة النساء)