ولادة الامام المهدى عليه السلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لسنا بحاجة إلى ما يبين ولادة الاِمام المهدي ويثبتها تاريخياً بعد أن عرفنا اتفاق كلمة المسلمين على أنّه من أهل البيت، وأنّ ظهوره يكون في آخر الزمان، وعرفنا أيضاً النتيجة التي انتهى إليها البحث في طوائف نسب الاِمام المهدي، وهي أنّه لامجال للشك في كون المهدي الاِمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وانه حسيني الاَب حسني الاَُم من جهة فاطمة بنت الحسن السبط أُم الاِمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام .
وهذا يعني إنّ البحث عن ولادة الاِمام المهدي وبيان ثبوتها شرعاً بحث غير طبيعي لولا وجود بعض الملابسات التاريخية حول ولادته عليه السلام ، كادعاء عمّه جعفر الكذّاب بعدم وجود خلفٍ لاَخيه العسكري عليه السلام ، وقيام السلطة الحاكمة بتسليم تركة الاِمام العسكري بعد وفاته لاَخيه جعفر الكذاب أخذاً بادعائه الباطل فيما رواه علماء الشيعة الاِمامية الاثني عشرية انفسهم ولم يروه غيرهم قط إلاّ من طرقهم، وفي هذا وحده كفاية للمنصف المتدبر، إذ كيف يروي الشيعة أمراً ويعتقدون بخلافه لو لم يثبت لهم زيف هذا الاَمر وبطلانه ؟!
إنه من قبيل رواياتهم انكار معاوية منزلة علي عليه السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فانكار معاوية ثابتٌ، ومنزلة علي عليه السلام ثابتة؛ وثبات كلاهما عند الشيعة لايخالجه شكٌّ ؛ لاَنه على نحو اليقين، فكذلك انكار جعفر الكذاب ثابت
( 106 )
عندهم، وتصرف السلطة على وفق ادعائه ثابت أيضاً ، وفي مقابل هذا ثبوت ولادة المهدي بالاقرار والعيان ، وما بعدهما من برهان .
ولكن من يقتات على موائد الغرب مع انحرافه ، لايبعد منه استغلال تلك الملابسات ، واثارتها بثوب جديد موشى بالوان (التصحيح).
ولاَجل هذا نقول : إنَّ ولادة أي انسان في هذا الوجود تثبت باقرار أبيه، وشهادة القابلة، وان لم يره أحد قط غيرهما ، فكيف لو شهد المئات برؤيته، واعترف المؤرخون بولادته وصرح علماء الانساب بنسبه، وظهر على يديه ما عرفه المقربون اليه، وصدرت منه وصايا وتعليمات، ونصائح وإرشادات، ورسائل وتوجيهات، وأدعية وصلوات، وأقوال مشهورة، وكلمات مأثورة وكان وكلاؤه معروفين، وسفراؤه معلومين، وانصاره في كل عصر وجيل بالملايين.
ولعمري ، هل يريد من استغل تلك الملابسات ، وأنكر ولادة الاِمام المهدي عليه السلام أكثر من هذا لاثبات ولادته، أم تراه يقول في بلسان الحال للمهدي، كما قال المشركون بلسان المقال لجدّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الاَرْضِ يَنبُوعاً ، أوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ مِن نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الاَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً، أوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِن زُخْرُفٍ أوْ تَرْقى فِي السَّمَاءِ وَلَن نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ ! قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إلاَّ بَشَراً رَسُولاً)(1).
اللّهم إنّا لا نرجو هداية من عرف الحق وتمسك بالباطل ؛ لاَن من لايقدر على الانتفاع بضياء الشمس ، فهو على الانتفاع بنور القمر أعجز، وانما نطمح إلى ايصال الحق إلى جاهله ، وتقوية الايمان به عند من
____________
(1) الاِسراء : 17 | 90 ـ 94.
( 107 )
ضعف في قلبه ، فنقول :
إخبار الاِمام العسكري بولادة ابنه المهدي عليهما السلام :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويدل عليه الخبر الصحيح عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن إسحاق ، عن أبي هاشم الجعفري قال : « قلتُ لاَبي محمد عليه السلام : جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن اسألك ؟ فقال : سلْ ، قلتُ : يا سيدي هل لك ولد ؟ فقال : نعم ، فقلتُ : فإنْ حدث بك حدث فأين اسأل عنه ؟ قال : بالمدينة »(1).
والخبر الصحيح عن علي بن محمد، عن محمد بن علي بن بلال قال : «خرج إليَّ من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إليَّ من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده»(2).
والمراد بعلي بن محمد هو الثقة الاَديب الفاضل ابن بندار ، وأما عن محمد بن علي بن بلال فانه من الوثاقة والجلالة أشهر من نارٍ على علم بحيث كان يراجعه من مثل ابي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، كما هو معلوم عند أهل الرجال.
شهادة القابلة بولادة الاِمام المهدي عليه السلام :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الاِمام الجواد وأُخت الاِمام الهادي وعمة الاِمام العسكري عليهم السلام . وهي التي تولّت أمر نرجس أُم الاِمام المهدي عليه السلام في ساعة الولادة(3)، وصرحت بمشاهدة الاِمام الحجة بعد
مولده(1) ، وقد ساعدتها بعض النسوة في عملية الولادة، منهن جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الاِمام العسكري عليه السلام فيما صرح بذلك الثقة محمد بن يحيى،(2)ومارية، ونسيم خادمة الاِمام العسكري عليه السلام (3).
ولايخفى ان ولادات المسلمين لايطلع عليها غير النساء القوابل ، ومن ينكر هذا فعليه ان يثبت لنا مشاهدة غيرهن لاُمّه في مولده !
هذا وقد أجرى الاِمام العسكري عليه السلام السُنّة الشّريفة بعد ولادة المهدي عليه السلام فعقَّ عنه بعقيقة(4)كما يفعل الملتزمون بالسُنّة حينما يرزقهم الله من فضله مولوداً.
من شهد برؤية المهدي من أصحاب الاَئمة عليهم السلام وغيرهم :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شهد برؤية الاِمام المهدي في حياة أبيه العسكري عليهما السلام وبإذن منه عدد من أصحاب العسكري وأبيه الهادي عليهما السلام ، كما شهد آخرون منهم ومن غيرهم برؤية الاِمام المهدي بعد وفاة أبيه العسكري عليهما السلام وذلك في غيبته الصغرى التي ابتدأت من سنة (260 هـ) إلى سنة (329 هـ) ، ولكثرة من شهد على نفسه بذلك سوف نقتصر على ما ذكره المشايخ المتقدمون وهم: الكليني (ت|329 هـ) الذي أدرك الغيبة الصغرى بتمامها تقريبا، والصدوق (ت|381 هـ) وقد أدرك من الغيبة الصغرى أكثر من عشرين عاماً، والشيخ المفيد (ت|413هـ)، والشيخ الطوسي (ت|460 هـ) ولابأس بذكر اليسير جداً من رواياتهم الخاصة في تسمية من رآه عليه السلام ثم
الاكتفاء ببيان أسماء المشاهدين للاِمام المهدي عليه السلام مع تعيين موارد رواياتهم في كتب المشايخ الاَربعة لاَجل الاختصار . فمن تلك الروايات :
ما رواه الكليني في اُصول الكافي بسند صحيح : عن محمد بن عبدالله ومحمد بن يحيى جميعاً؛ عن عبدالله بن جعفر الحميري ، قال : «اجتمعت أنا والشّيخ أبو عمرو رحمه الله عند أحمد بن اسحاق فغمزني أحمد بن اسحاق أن أسأله عن الخلف، فقلت له : يا أبا عمرو إني أُريد أن اسألك عن شيء وما أنا بشاكٍ فيما أُريد أن اسألك عنه ـ إلى أن قال بعد إطراء العمري وتوثيقه على لسان الاَئمة عليهم السلام ـ : فَخَرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال : سل حاجتك. فقلتُ له : أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد عليه السلام ؟ فقال : إي والله ورقبته مثل ذا ـ وأومأ بيده ـ فقلتُ له : فبقيت واحدة ، فقال لي : هات ، فقلتُ : فالاسم ؟ قال : محرم عليكم أنْ تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندي ، فليس لي أن أُحلل ولا أُحرم، ولكن عنه عليه السلام ، فإن الاَمرَ عند السلطان : أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولداً وقَسَّم ميراثه وأخذه من لاحقّ له فيه، وهو ذا عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئاً، واذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك»(1).
ومنها : ما رواه في الكافي بسند صحيح : عن علي بن محمد وهو ابن بندار الثقة، عن مهران القلانسي الثقة قال : قلتُ للعمري : «قد مضى أبو محمد ؟ فقال لي : قد مضى ولكن خلف فيكم من رقبته مثل هذه، واشار بيده»(2) .
ومنها : ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أجلاّء المشايخ قال : «حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال : قلتُ لمحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه : اني اسألك سؤال ابراهيم ربه جلّ جلاله حين قال : ( رَبِّ أَرِني كَيفَ تُحْيي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئنَّ قَلْبي )(1) فأخبرني عن صاحب هذا الاَمر هل رأيته ؟ قال : نعم، وله رقبه مثل ذي واشار بيده إلى عنقه»(2).
ومنها : ما رواه الصدوق في كمال الدين قال : «وحدثنا أبو جعفر محمد ابن علي الاَسود رضي الله عنه قال : سألني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رضي الله عنه بعد موت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن اسأل أبا القاسم الروحي أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله عزّ وجل أن يرزقه ولداً ذكراً قال : فسألته، فأنهى ذلك، ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه قد دعى لعلي بن الحسين وانه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به وبعده أولاد ـ ثم قال الصدوق بعد ذلك ـ قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : كان أبو جعفر محمد بن علي الاَسود رضي الله عنه ، كثيراً ما يقول لي ـ إذا رآني أختلف إلى مجلس شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، وأرغب في كتب العلم وحفظه ـ ليس بعجب أنْ تكون لكَ هذه الرغبة في العلم، وأنت ولدت بدعاء الاِمام عليه السلام »(3).
ومنها : ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن أجلاء هذه الطائفة وشيوخها قال : «وأخبرني محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيدالله، عن أبي عبدالله محمد بن أحمد الصفواني قال : أوصى الشيخ
أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه فقام بما كان إلى أبي القاسم [ السفير الثالث ] فلما حضرته الوفاة، حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر أنّه لم يُؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن»(1).
ولايخفى إن مقام السّمري مقام أبي القاسم الحسين بن روح في الوكالة عن الاِمام تتطلب رؤيته في كل أمر يحتاج اليه فيه، ومن هنا تواتر ما خرج على يد السفراء الاَربعة الذين ذكرناهم في هذه الروايات من وصايا وارشادات وأوامر وكلمات الاِمام المهدي عليه السلام (2).
وهناك روايات أُخرى كثيرة صريحة برؤية السفراء الاَربعة كلٌّ في زمان وكالته للامام المهدي وكثير منها بمحضر من الشيعة وها نحن نشير الى اسماء من رآه عليه السلام وهم :
ابراهيم بن ادريس أبو أحمد(3)، وابراهيم بن عبدة النيسابوري(4)، وابراهيم بن محمد التبريزي(5)، وابراهيم بن مهزيار ابو اسحاق الاهوازي(6)، وأحمد بن اسحاق بن سعد الاشعري(7)ورآه مرة أُخرى مع سعد بن عبدالله بن أبي خلف الاشعري (من مشايخ والد الصدوق
والكليني)(1)، وأحمد بن الحسين بن عبدالملك أبو جعفر الاَزْدي وقيل الاَوْدي(2)، وأحمد بن عبدالله الهاشمي من ولد العباس مع تمام تسعة وثلاثين رجلاً (3)، وأحمد بن محمد بن المُطَهَّر أبو علي من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام (4)، وأحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي الغال الملعون، وكان معه جماعة منهم: علي بن بلال ، ومحمد بن معاوية بن حكيم، والحسن بن أيوب بن نوح، وعثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه إلى تمام أربعين رجلاً (5)، واسماعيل بن علي النوبختي أبو سهل (6)، وأبو عبد الله بن صالح(7)، وأبو محمد الحسن بن وجناء النصيبي (
، وأبو هارون من مشايخ محمد بن الحسن الكرخي (9)، وجعفر الكذاب عم الاِمام المهدي عليه السلام رأى الاِمام المهدي عليه السلام مرتين (10)، والسيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الاِمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام (11)، والزهري وقيل الزهراني ومعه العمري رضي الله عنه (12)، ورشيق صاحب المادراي(13)،
وأبو القاسم الروحي رضي الله عنه (1)، وعبد الله السوري(2)، وعمرو الاَهوازي(3)، وعلي بن ابراهيم بن مهزيار الاَهوازي(4)، وعلي بن محمد الشمشاطي رسول جعفر بن ابراهيم اليماني (5)، وغانم أبو سعيد الهندي(6)، وكامل بن ابراهيم المدني (7)، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه (
، ومحمد بن أحمد الاَنصاري أبو نعيم الزيدي، وكان معه في مشاهدة الاِمام المهدي عليه السلام : أبو علي المحمودي، وعلاّن الكليني، وأبو الهيثم الدِّيناري، وأبو جعفر الاَحول الهمداني، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً فيهم السيد محمد بن القاسم العلوي العقيقي (9)، والسيد الموسوي محمد بن اسماعيل بن الاِمام موسى بن جعفر عليهما السلام وكان أسنّ شيخ في عصره من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (10)، ومحمد بن جعفر أبو العباس الحميري على رأس وفد من شيعة مدينة قم (11)، ومحمد بن الحسن بن عبيد الله التميمي الزيدي المعروف بأبي سورة(12)، ومحمد بن صالح بن علي بن محمد بن قنبر الكبير مولى
الاِمام الرضا عليه السلام (1)، ومحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه (2)وكان قد رآه مع أربعين رجلاً بإذن الاِمام العسكري عليه السلام ، وكان من جملتهم: معاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح(3)، ويعقوب بن منقوش(4)، ويعقوب بن يوسف الضّراب الغساني(5)، ويوسف بن أحمد الجعفري(6).